حالات نفسية خرجوا فيها الأسرى الفلسطينيين المحررين

لأن التعذيب الجسدي – مثل الضرب أو الشبح – قد يترك عند ممارسته بروز أو أثر وراءه، وبالتالي يشكل دليل على ممارسته ضد الأسرى، قامت اسرائيل بتغيير الوسائل التي تستخدمها في التعذيب، وأصبحت تركز على العامل النفسي، أي التعذيب النفسي (المعنوي). فكانت محاولة لاخفاء أي دليل جسدي على التعذيب في حالة تم عرض الأسير على المحكمة، فتقوم بتكذيب أو نفي أن الأسير تعرض إلى التعذيب.

عن طريق التعذيب النفسي لا تمس جسد الأسير، بل تقوم بالتركيز على اضعاف وتحطيم نفسية الأسير وجعله "مهزوم" نفسياً، مما يسبب حالات نفسية تصل إلى درجة الهلوسة أو الأمراض النفسية – حتى المزمنة منها. لكن هذا لا يعني أن اسرائيل توقفت عن ممارسة التعذيب الجسدي، فلا يزال يمارس، لكن التركيز أكثر على النفسي.


عدد كبير من آخر دفعة من الأسرى الفلسطينيين المحررين خرجوا في حالات نفسية مختلفة نتيجة التعذيب الذي تعرضوا له - خاصةً النفسي عن طريق العزل الانفرادي في زنزانات وغيرها من الوسائل أو الطرق. ويذكر أن معظمهم كانوا محكومين بالسجن لمدد طويلة – بما فيه السجن المؤبد. وبناء على ذلك، قضوا فترة طويلة في السجن أو الزنزانات مما خلف آثار نفسية. وكما ذكرت سابقاً وصلت إلى درجة الهلوسة أو الأمراض النفسية.


حالات:


-       أحد الأسرى قضى ست سنوات في عزل انفرادي في زنزانة. لم يكن يرى النور إلا لمدة ساعة واحدة في اليوم ! كان يعيش معزول عن العالم – لا يرى أي أحد سوى السجّانين ! لم يكن يتكلم مع أي شخص ! الكائن الحي الوحيد الذي أصبح كصديق له ويتكلم معه هو "صرصور" كان في زنزانته ! وصل إلى درجة من الهلوسة – نتيجة العزل الانفرادي لمدة طويلة – أن يتكلم فيها مع صرصور. وحتى كان يسأله: "شو بدنا نفطر؟ شو بدنا نوكل؟". أصبح الصرصور صديق وونس له !

-       أسير آخر - بسبب غيابه الطويل عن زوجته - أصبح عنده حاجز نفسي أو حالة نفسية، فلم يستطع - بعد اطلاق سراحه - أن ينام في نفس الغرفة مع زوجته. أصبح يشعر بأنها "غريبة" عنه – "ليست زوجته" - ومن "العيب" أن يتواجد معها في نفس الغرفة ! لذلك، اختار أن ينام في غرفة أخرى !

-       وأسير آخر كانت زوجته حامل عندما تم اعتقاله. ولدت الطفلة وكبرت وصارت "صبية" أثناء وجود أبيها في السجن. وفي يوم اللقاء بعد اطلاق سراحه، لم يستطع الأب المحرر نتيجة الحالة النفسية التي خرج فيها أن يضم ابنته إلى صدره. شعر بأنها "غريبة" عنه – لا يعرفها - فلا يجوز له أن يضمها أو يلمسها ! وفي نفس الوقت، رفضت البنت أباها ولم تقبل أن تقترب منه لأنه شخص "غريب" عنها ولاتعرفه !


هذه بعض من الحالات التي اضطلعت عليها من الملفات في "مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب"، وأردت أن أشارككم بها لأنها لفتت انتباهي لقسوتها – دون زيادة أو نقصان.

وفي النهاية، التعذيب – الجسدي والنفسي – يشكل جريمة. والتعذيب النفسي مثل التعذيب الجسدي، وإن لم يترك أثر على جسد الذي يتعرض له، لكنه يترك أثر في نفسيته. ويمكن اثبات التعرض للتعذيب النفسي بتقرير من لجنة طبية مختصة، ويُستخدم ويُقبل كدليل أمام القضاء.



Comments