الاستيطان الاسرائيلي والقانون الدولي

يتم هنا تناول عدم قانونية الاستيطان الاسرائيلي وفق القانون الدولي، وذلك عن طريق استعراض وتحليل الوثائق الدولية ذات الصلة (سوف يتم لاحقاً تناول الموضوع من حيث الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بخصوص الجدار الفاصل، وأيضاً من ناحية تجريم الاستيطان كجريمة حرب بموجب النظام الأساسي (نظام روما) للمحكمة الجنائية الدولية).

أولاً: ميثاق الأمم المتحدة

 
يحظر ميثاق الأمم المتحدة بموجب الفقرة الرابعة من المادة 2 الاحتلال العسكري والاستيلاء على أراضي الغير وضمها عن طريق الحرب أو استخدام أو التهديد (أو التلويح) باستخدام القوة المسلحة. فيحرم التهديد باستعمال أو الاستعمال الفعلي للقوة العسكرية في العلاقات الدولية فيما بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في المادة المذكورة سابقاً، حيث تنص على ما يلي: "يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة". فلقد أنهى ميثاق الأمم المتحدة شرعية الحصول على الأراضي بالغزو.

هذا بالإضافة إلى القاعدة الآمرة (Ius Cogens) في القانون الدولي ألا وهي "عدم جواز الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب أو القوة العسكرية"، والتي تم التأكيد عليها في العديد من قرارات الأمم المتحدة[1]. اسرائيل، كدولة عضو في الأمم المتحدة، انتهكت التزامها بموجب القانون الدولي، لا سيما ميثاق الأمم المتحدة، بعدم استخدام القوة عندما قامت باستخدامها بالفعل في 5 حزيران 1967 واستولت على الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية التي كانت تحت سيادة المملكة الأردنية الهاشمية، التي هي أيضاً عضو في الأمم المتحدة.

ثانياً: اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949

بالرغم من أن الاحتلال العسكري هو غير شرعي حسب القانون الدولي، إلا أنه يعتبر، عندما يقع بالفعل، مؤقتاً، أي ذات طبيعة مؤقتة وليست دائمة، فلا يجوز للدولة القائمة بالاحتلال أن تقوم بأي إجراء من شأنه أن يعطي ديمومة لهذا الاحتلال – كمصادرة أراضي وبناء مستوطنات وشبكات طرق لصالح المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

ويؤكد هذا المبدأ ما جاء في المادة 55 من اتفاقية لاهاي الرابعة[2] أن القوة المحتلة لا تكتسب ملكية الممتلكات غير المنقولة في الأراضي المحتلة ذلك أنها مسؤولة فقط عن إدارتها والانتفاع بها - بشكل مؤقت - لصالح السكان الذين وقعوا تحت الاحتلال. فلا يجوز لهذه القوة المحتلة أن تتصرف بالممتلكات غير المنقولة تصرف المالك. وتفيد المادة 46 من الاتفاقية ذاتها على وجوب احترام القوة المحتلة للممتلكات الخاصة في الأراضي التي تحتلها وعدم مصادرتها. إلا أن المادة 52 منها تسمح ضمن حدود معينة تلك المصادرة من أجل سد احتياجات جيش الاحتلال، أي لأغراض عسكرية. لكن الذي يحدث على أرض الواقع هو أن اسرائيل لا تصادر الممتلكات الخاصة، كالأراضي المملوكة للفلسطينيين، من أجل ضرورات أو حاجات عسكرية بحتة[3]، بل لأسباب أخرى.

ومن ناحية أخرى، تحظر اتفاقية جنيف الرابعة[4] على سلطات الاحتلال أن تقوم بنقل سكانها إلى الأراضي التي تحتلها. حيث تنص الفقرة السادسة من المادة 49 من الاتفاقية المذكورة على ما يلي: "لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها". ووفقاً لأحكام المادة 85/4/أ من البروتوكول الأول الإضافي والمكمل لاتفاقيات جنيف الأربعة[5] يعتبر هذا النقل بمثابة "انتهاك جسيم" ((Grave Breach لاتفاقية جنيف الرابعة. 

ثالثاً: قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة

منذ العام 1967 أنكرت اسرائيل - وبشكل رسمي انطباق - معاهدة جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية التي تحتلها[6]. لكن بالمقابل، صدر عن هيئة الأمم المتحدة سلسلة طويلة من القرارات التي تؤكد جميعها على انطباق ((Applicability اتفاقية جنيف الرابعة[7] على الضفة الغربية بما فيها القدس وتدين بشكلٍ صريح سياسة اسرائيل الاستيطانية التي تعتبرها انتهاكاً للقانون الدولي.

ومن أهم قرارات مجلس الأمن في هذا الشأن القرار 465 الذي تبناه عام 1980[8] بعد أن أعلنت الحكومة الاسرائيلية آنذاك – برئاسة مناحيم بيجين – متحديةً القانون الدولي - دعمها الرسمي لسياسة الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس[9]. فقد أدان المجلس صراحةً في قراره المذكور قرار الحكومة الاسرائيلية دعمها الرسمي لسياسة الاستيطان واعتبرها انتهاكاً صارخاً ((Flagrant Violation لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، كما وأنها تشكل عقبة جدية أمام تحقيق سلام شامل وعادل في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، أدان بشدة استمرار اسرائيل في إتباع هذه السياسة – أي سياسة الاستيطان – ودعا حكومة اسرائيل وشعبها لإلغاء هذه السياسة وهدم المستوطنات التي تم بناؤها ووقف إنشاء المستوطنات الجاري إنشاؤها وكذلك وقف التخطيط لمستوطنات جديدة.

وكان مجلس الأمن قد شكل لجنة، بموجب القرار 446[10]، تتكون من ثلاثة دول أعضاء في مجلس الأمن لفحص ودراسة وضع المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة، التي بدورها توصلت، ضمن غيرها من النتائج، إلى ما يلي:

-    أن حكومة اسرائيل متورطة في عملية استيطانية مقصودة ومنهجية وواسعة النطاق في الأراضي العربية المحتلة.
-   أن التمويل الرئيسي لسياسة الاستيطان يأتي من الحكومة الاسرائيلية، إلى جانب المساهمات الخاصة من خارج اسرائيل.
-   أن سياسة الاستيطان قد أحدثت تغييرات أساسية ومضرة للنسيج الاقتصادي والاجتماعي للحياة اليومية لسكان الأراضي المحتلة.
-   وأن نمط سياسة الاستيطان يتسبب في إحداث تغييرات عميقة وغير قابلة للتغيير بالنسبة لطبيعة تلك المناطق (بما فيها القدس) الجغرافية والديموغرافية.

وكما هو الحال مع مجلس الأمن، فقد اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة الموقف ذاته حول انطباق اتفاقية جنيف على الأراضي الفلسطينية المحتلة وتجاه سياسة دولة اسرائيل الاستيطانية (في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية) باعتبارها غير قانونية، أي مخالفة للقانون الدولي، والتي تبنتها ودعمتها ومولتها كافة الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ وقوع المناطق المذكورة تحت الاحتلال العسكري الاسرائيلي عام 1967.

فقد أكدت الجمعية العامة في قرارها 3005 الذي تبنته عام 1972[11] أن كافة ممارسات اسرائيل بشأن إنشاء مستوطنات اسرائيلية في الضفة الغربية بما فيها القدس وترحيل جزء من سكانها إلى المناطق المذكورة مخالفة لاتفاقية جنيف الرابعة وباطلة. وأدانت في قرارها 3525 الذي تبنته عام 1975[12] ضم اسرائيل لأجزاء من الأراضي المحتلة وإنشاء مستوطنات ومصادرة واستملاك ممتلكات عربية، وأعلنت في نفس القرار أن هذه السياسات والممارسات تشكل انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة ولا سيما لمبادئ السيادة وسلامة الأراضي، ومبادئ القانون الدولي المتعلقة بالاحتلال، وهي تشكل كذلك عائقاً أمام تحقيق سلام عادل ودائم.

 جابي حلو


---------------------------
[1] انظر على سبيل المثال الفقرة الأولى من "الإعلان بخصوص العلاقات الصديقة والتعاون ما بين الدول وفق ميثاق الأمم المتحدة" الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار رقم 2625 في 24 تشرين الأول 1970. وانظر قرار مجلس الأمن 242 الصادر في 22 تشرين الثاني 1967، وقرار مجلس الأمن 476 الصادر في 30 حزيران 1980.
 [2]اتفاقية لاهاي الرابعة الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية: لائحة لاهاي المتعلقة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية المؤرخة في 18 تشرين الأول 1907.
[3] الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان، "تحليل قانوني للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول بناء الجدار الفاصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، رام الله، 2004، ص 88.
[4] اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 آب 1949.
 [5]الملحق "البروتوكول" الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف المعقودة في 12 آب 1949 المتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، 8 حزيران 1977.
[6] الهيئة الفلسطينية المستقلة، تحليل قانوني، ص 79.
[7] انظر على سبيل المثال قرار مجلس الأمن 271 الصادر في 15 أيلول 1969، وقرار مجلس الأمن 484 الصادر في 19 كانون الأول 1980، وقرار مجلس الأمن 605 الصادر في 22 كانون الأول 1987، وقرار مجلس الأمن 607 الصادر في 5 كانون الثاني 1988.
[8] قرار مجلس الأمن 465 الصادر في 1 آذار 1980. وانظر أيضاً قرار مجلس الأمن 446 الصادر في 22 آذار 1979 وقرار مجلس الأمن 452 الصادر في 20 تموز 1979.
[9] وباقي الأراضي العربية المحتلة منذ العام 1967.
[10] قرار مجلس الأمن 446 الصادر في 22 آذار 1979.
[11] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3005 الصادر في 15 كانون الأول 1972.
[12] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3525 الصادر في 15 كانون الأول 1975. وانظر أيضاً قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2649 الصادر في 30 تشرين الثاني 1970، وأيضاً قرار الجمعية العامة 5/32 الصادر في 28 تشرين الأول 1977 وقرار الجمعية العامة 61/118 الصادر في 15 كانون الثاني 2007.

Comments